تابعونى على مواقع التواصل الأجتماعي

الاثنين، 19 سبتمبر 2016

الخطاب الليبرالي والدين الأسلامي


مقدمة
فى الأونة الأخيرة فى عالم الإنترنت، وذلك بعد بزوغ نجم مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة موقع فيسبوك وتويتر، بدأت تنشأ العديد من من الحسابات والصفحات الشخصية والعامة، والتى كانت ولا زالت فكرة أصحاب هذه الحسابات والصفحات هو نشر أفكار الليبرالية بكل ما أوتى لهم من قوة، حتى وأن كانت الأفكار الليبرالية تتعارض مع بعض أفكارهم شخصيا، بحجة أن الدين الأسلامى والقرآن الكريم لم يعد قادرا على تحمل ما نتج من حداثة فى القرن 21 والتى نواجهها فى عصرنا الحديث، وبدأوا فى نشر التهم على الدين الأسلامي وكتب التراث، بالرغم من تحفظي على بعض ما كتب بها، ولكنهم يتناسون أن أى عمل بشري يحمل فى داخله الأجتهاد والأستنباط، وقد يحمل بداخله أراء قد تكون صحيحة فى وقتها وقد لا تكون صحيحة فى وقتنا، وذلك نظرا لأختلاف المكان والزمان، ولكن من أجتهد وأصاب فله أجرين، ومن أجتهد ولم يصيب فله أجر، ففى كل الحالات له أجر على ما قدم، وهذا لم يكن دافعا قويا لألغاء هذه الكتب برمتها، بل من الأفضل نعيد تجديدها وترميمها حسب ما يتوافق مع النص القرآني، وفى النهاية أن أى عمل أنساني معرض للنقد، ولكن الذى لا أستطيع أن أتحمله، هو تحميل دين الأسلام بكل مشاكل العصر الحديث من أرهاب، وتطرف فكري، وعدم وجود وعي ... الخ، ولذلك تجد أن هذه الصفحات تتهم الدين الأسلامي دائما بهذا القصور، الذى يظهر لهم من وجهة نظرهم، خصوصا مع عدم قدرة بعض رجال الدين على الرد عليهم بشكل يوقع الشك فى نفوس هؤلاء الأشخاص تجاه الدين الأسلامي، مما جعلهم دائما يشعرون ويا كأنهم هم على حق والباقين على الضلال، وهذا تطرف فكرى أيضا على الرغم من أن مبادئ الليبرالية هى تقبل لفكر الأخر ... وهذا ما دفعنى الى كتابة هذا المقال للتاريخ ، والله المستعان والموفق ..
وفى البداية نود أن نعلم معني كلمة ليبرالية وما هى أهم مبادئ الخطاب الليبرالي؟
فالليبرالية مصطلح مطاط يحمل ويحوي فى داخله العديد والكثير من المعاني، وذلك بسبب أختلاف الأزمنة والثقافة لدى الأشخاص القائمين على تعريفها وفى النهاية تعرف على أنها: فلسفة سياسية أو رأي سائد تأسست على أفكار الحرية والمساوة. وتشدد الليبرالية الكلاسيكية على الحرية في حين أن المبدأ الثاني وهو المساواة يتجلى بشكل أكثر وضوحا في الليبرالية الاجتماعية. ويتبنى الليبراليون مجموعة واسعة من الآراء تبعا لفهمهم لهذين المبدأين، ولكن وبصفة عامة يدعم الليبراليون أفكار مثل حرية التعبير، حرية الصحافة، حرية الأديان، السوق الحر، الحقوق المدنية، المجتمعات الديمقراطية، الحكومات العلمانية والتعاون الدولي.
وبرزت الليبرالية كحركة سياسية خلال عصر التنوير، عندما أصبحت تحظى بشعبية بين الفلاسفة والإقتصاديين في العالم الغربي. ورفضت الليبرالية المفاهيم الشائعة في ذلك الوقت من امتياز وراثي، و دين الدولة، والملكية المطلقة والحق الإلهي للملوك. وغالبا ما ينسب لفيلسوف القرن السابع عشر جون لوك الفضل في تأسيس الليبرالية باعتبارها تقليد فلسفي مميز. جادل لوك بأن كل إنسان يملك الحق الطبيعي في الحياة، الحرية والملكية، وأضاف أن الحكومات يجب ألا تنتهك هذه الحقوق وذلك بالاستناد إلى العقد الاجتماعي. يعارض الليبراليون المحافظة التقليدية ويسعون لاستبدال الحكم الديكتاتوري المطلق في الحكومة بديمقراطية تمثيلية وسيادة القانون.
واستخدم الثوريون البارزون في كل من الثورة المجيدة، الثورة الأمريكية والثورة الفرنسية الفلسفة الليبرالية ليبرروا الإطاحة المسلحة لما رأوا أنه حكم استبدادي. وبدأت الليبرالية بالانتشار بسرعة خاصة بعد الثورة الفرنسية. وشهد القرن التاسع عشر تأسيس حكومات ليبرالية في دول أوروبا، أمريكا الجنوبية وأمريكا الشمالية. وفي هذه الفترة، كان الخصم الأيديولوجي المهيمن لليبرالية الكلاسيكية هو المحافظة، ومع ذلك نجت الليبرالية من تحديات أيديولوجية كبرى من معارضين جدد مثل الفاشية والشيوعية. خلال القرن العشرين، انتشرت الأفكار الليبرالية أبعد من ذلك حيث وجدت الديمقراطيات الليبرالية نفسها على الجانب المنتصر في كلتا الحربين العالميتين. في أوروبا وأمريكا الشمالية، وأصبح تأسيس الليبرالية الاجتماعية عنصر رئيسي في التوسع في دولة الرفاهية. واليوم، تستمر الأحزاب الليبرالية بامتلاك سلطة ونفوذ في جميع أنحاء العالم.
أهم مبادئ وأسس الخطاب الليبرالي؟
المبدأ الأول مركزية الفرد
 في المجتمع الاقطاعي، والمجتمعات المحافظة الاخرى كالمجتمع القبلي، لا يكون للفرد كيان أو شخصية مستقلة عن عائلته أو قبيلته حيث يعتبر جزءا منها. ومع تحرر الفلاحين من الأرض والاقطاع وعملهم في المصانع والمدن أصبحت لديهم خيارات جديدة للسكن بعيدا عن موطنهم أو العمل خارج عمل العائلة في الحقل. ومع تحطم رتابة الاقطاع انفتح مناخ ثقافي جديد يشجع على تحدي الماضي بكل جوانبه الاجتماعية والثقافية والدينية ويقوم على العقلانية والتفسير العلمي. ويطمح الليبراليون في تطوير مجتمع يمكن لكل فرد فيه تطوير إمكاناته كاملة.
المبدأ الثاني الحرية
 الإيمان بمركزية الفرد يؤدي الى الايمان بأهمية الحرية الفردية، فالحرية لدى الليبراليين هي حق طبيعي لحياة انسانية كريمة. والحرية لا تحقق للفرد فقط حق اختيار ما يراه مناسبا من عمل أو سكن أو أي بضاعة يشتريها، بل هي السبب الرئيسي في إبداعه وتطوير إمكانياته. ويتفق الليبراليون على أن الحرية تنتهي عندما تتعدى على حقوق الغير فهي ليست »رخصة« لانتهاك حقوق الآخرين.
المبدأ الثالث العقلانية
 الليبرالية هي امتداد لعهد التنوير في أوروبا لذلك فهي مرتبطة مع فكرة عتق الجنس البشري من الجهل والخرافات وتحرير العقل وأعتماد العلم والتعليم، وهي أمور تؤدي الى التحرر من الماضي والعادات والتقاليد. والعقلانية تقود الى أعتماد أساليب الحوار والجدال واعتبار الحرب الخيار الأخير بسبب كلفتها البشرية والمادية اللاعقلانية.
المبدأ الرابع العدالة
 والمقصود لدى الليبراليين بالعدالة هي تلك التي يحصل بموجبها كل أنسان على ما يستحقه، حيث يعتبر الليبراليون الناس سواسية عند ولادتهم وان لهم نفس الموقع الاجتماعي وخاصة فيما يتعلق بحقوقهم تجاه الدولة والمجتمع. لذلك يعارض الليبراليون بشدة أية حقوق تعطى لبعض المواطنين وتمنع عن البعض الآخر بناء على معايير الجنس (النوع الاجتماعي) أوالعرق أو الأصل أو القبيلة أو الدين أو الفئة الاجتماعية.
يؤمن الليبراليون بالمساواة في الفرص (الوظائف مثلا) ويحرصون على سيادة دولة القانون والمؤسسات التي تضمن العدالة القانونية وكذلك المساواة السياسية مثل تساوي أصوات الناخبين في الدوائر الانتخابية. ولا يقبل الليبراليون المساواة في المكافأة بين من يجتهد أو يعمل وبين من لا يجتهد أو يعمل.
المبدأ الخامس التسامح والتعددية
 يتسم الليبراليون بالتسامح ويحتفون بالتنوع والاختلاف السياسي والعقائدي والثقافي في المجتمع ويرون ذلك إغناء له. ويرجع هذا الموقف الى الاعتداد بالفرد وحريته. ومن المهم معرفة التقسيم الموجود لدى الليبراليين بين ما هو خاص وما هو عام. فالفيلسوف الانجليزي جون لوك الذي عاش في القرن السابع عشر كتب حول الحرية الدينية ما معناه ان دور الحكومة هو حماية الحياة والحرية والملكية (أي الحقوق الطبيعية) وليس من حقها التدخل في ما تحمله الأرواح (يقصد المعتقدات والديانات). أن أهمية التسامح والتعددية في المجتمع نابعة من أهمية أستقلالية الفرد وتطوره الأخلاقي، وان الحرية في »سوق الأفكار« تساهم في اختيار الأفضل منها مثلها مثل حرية التنافس بين البضائع المنتجة، وان الحوار والجدل بين الأفكار المتصارعة محرك للتقدم في المجتمع.
وتأخذ الليبرالية ثلاثة أشكال مترابطة:
الليبرالية الاقتصادية: (الليبرالية الاقتصادية) وتقوم على مبدأ حرية الملكية في اقتصاد حر كأحد أهم الحقوق الطبيعية للفرد، أي سيادة آليات السوق الحر. وكان للثورة الصناعية التي بدأت في منتصف القرن الثامن عشر دور مهم في تطوير الفكر الاقتصادي الليبرالي.
الليبرالية السياسية: (الليبرالية السياسية) يعتقد الليبرالييون بأن الفرد هو الوحدة الأساسية في المجتمع وأن القوانين والمؤسسات وجدت لحمايته دون تحيز لأحد بسبب موقعه الاجتماعي، ويركزون على مفهوم »العقد الاجتماعي« حيث يضع المواطنون القوانين ثم يلتزمون بها. وبهذا المعنى تناهض الليبرالية الحكم الملكي المطلق أو شبه المطلق وتناضل من أجل بناء حكم دستوري ديمقراطي يحدد سلطات الحكومة ويحفظ حقوق المواطن المدنية من خلال نوابه المنتخبين في انتخابات تنافسية وحرة.
الليبرالية الاجتماعية: ويستخدم هذا المفهوم عادة للتعبير عن حرية الفرد الدينية والجنسية وحرية الضمير والمعتقد والمأكل والمشرب والملبس ومنع تدخل الدولة في شؤونه الخاصة. الا أن أغلب الليبراليين يقبلون شيئا من التنظيم لهذه الحريات مثلا لحماية صغار السن أو لمنع البغاء أو التعري في الأماكن العامة والمخدرات والقمار.
وفي بعض الدول يتم استخدام مصطلح الليبرالية ليعني أشياء مختلفة. فالبعض يستخدم المصطلح ليعني به الليبرالية الاجتماعية، ويضيف البعض الآخر الليبرالية الاقتصادية، وقليلون يضيفون مفهوم الليبرالية السياسية. وقد ساهم نضال العمال والنقابيين والمدافعين عن البيئة في تطوير الفكر الليبرالي ليشمل حماية المجتمع وأضعف طبقاته وفئاته من اضطرابات السوق الحرة وآلياتها العمياء وتوحش رأس المال غير المقيد ومخاطره على البيئة والمجتمع.
والليبرالية هي كل متكامل يستند على المبادئ الخمسة المذكورة أعلاه وأي انتقاص لأي مبدأ منها انتقاص لليبرالية. لا يمكن للفرد أن يكون ليبراليا اذا لم يؤمن ويعمل من أجل المساواة بين المواطنين ويناهض التمييز والترقي في الوظائف الحكومية، ويرفض التقسيم غير العادل للدوائر الانتخابية خلافا لقاعدة المساواة بين أصوات المواطنين (مبدأ العدالة). ولا يمكن أن يكون ليبراليا من يبرر غياب دستور عقدي يعطي صلاحيات كاملة لنواب الشعب فمبدأ العقد الاجتماعي الذي يوافق عليه الشعب وآليات الحكم الديمقراطي هو من منجزات الليبرالية الديمقراطية. ولا يمكن أن يسمي نفسه ليبراليا من لا ينتقد احتكار البعض للأراضي والسواحل بحكم سلطتهم فهو ينافي مبدأ العدالة والمساواة، ولا يكون ليبراليا من لا يحارب الفساد فهو يقوض دولة القانون والمؤسسات وينافي مبدأ تكافؤ الفرص.
والأن سنعمل بالبحث عن هذه المبادئ ولكن من ناحية الدين الأسلامى
1- المبدأ الأول مركزية الفرد:
وتمثل فكرة هذا المبدأ فى الليبرالية على أولوية الفرد على الجماعة حيث تمثل الخيط الرئيس للفكر الليبرالى، وفي هذا السياق ترى بعض الاتجاهات الليبرالية أو ما يسمى بالمذهب الذرى، أن الأفراد أشبه بذرات متناثرة داخل المجتمع وبناء على هذا الأساس فقد تم تعريف المجتمع بأنه: يتكون من مجموعة من الأفراد يعمل كل فرد فى هذه المجموعة على تحقيق مصالحة الخاصة وحاجاته المادية والمعنوية. وتحمل هذه الرؤية فى مضمونها فكرة رفض وجود المجتمع أو التأكيد على أن المجتمع يتشكل من مجموعة من الأفراد ذوى الاكتفاء الذاتي حيث يعتمد فيه كل فرد على نفسه ومن ثم فالليبرالية تعلي وتضخم (الأنا) الفردية. على عكس ما جاء به الأسلام والذى يعتبر أسمى وأفضل من هذا المبدأ حيث: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا))، وشبك بين أصابعه.
فهذا تبيين من النبي -صلى الله عليه وسلم- يفيد الحث على معاونة المؤمن لأخيه المؤمن ونصرته وأن ذلك أمر لابد منه، فهو شيء متأكد، كما أن البناء لا يتم ولا تحصل فائدته ولا يتحقق الغرض منه إلا بأن يكون بعضه يمسك بعضا، بحيث يشد بعضه بعضا ويقويه، وإلا تنحل أجزاؤه، وينفرط نظامه ويختل بنيانه، ولذلك تجدون أن الذين يبنون يخالفون فيما يضعونه من اللبن ونحوه، بحيث يكون ذلك أدعى إلى قوته، حتى إنهم لربما إذا بالغوا في تقويته وضعوا الرصاص فيما بين تلك الأحجار، وهذا أحد المعاني في قوله -تبارك وتعالى-: {كأنهم بنيان مرصوص} [الصف: 4]، قال بعض أهل العلم: كأنهم بنيان مرصوص أي: شد بالرصاص، وبعضهم فسره بالظاهر المتبادر مرصوص أي يرص بعضه بعضا ويقويه.
2- المبدأ الثاني الحرية:
يؤكد القرآن الكريم على الحرية الشخصية ويبرز علاقتها بقراءتنا الفردية. حتى تركت القضية المركزية في الدين، ألا وهي الإيمان بالله تعالى، لخيار الإنسان: "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر". (29:18).
لذا فإن السلوك الإنساني في الإسلام عائد لحرية الإنسان ورشده، وبالتالي فإن الخلاف بين الناس لا يمكن تجنبه بشكل جوهري، وهو متوقع دون شك: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين "(11: 118-119).
ولا يقيد الإسلام حرية الإنسان بأية طريقة وإنما يحمل بني البشر المسؤولية، فرديا وجماعيا، عن نتائج قراراتهم. ويتوجب على المرء أن يفكر بأعماله ونتائجها. وقد تبدو احتمالات أن يضطر المرء أن يتعامل مع نتائج معينة على أنها تحدد حريته الفردية، إلا أن ذلك يوفر فائدة عميقة للمجتمع الذي يعزز بشكل دائم القول المشهور: "تنتهي حرية الفرد عندما تبدأ حرية الآخرين". ولولا هذا القيد لكانت الحرية لعنة من الفوضى ولأصبحت الحرية الفردية إزعاجا للآخرين وتعديا على مصالحهم وخياراتهم.
ولكن كيف تطبق مسؤولية الإسلام عن خياره في إطار الدين الإسلامي الحنيف؟
أولا، تفرض هذه المسؤولية من خلال المسؤولية الجزائية التي تتحملها السلطة التي تتعامل مع الشأن العام، بما في ذلك مهمة إرساء قواعد النظام. ويسمح التنازل عن المسؤولية إلى سلطة أعلى، بشكل أساسي، بمنع محتمل للنزاع، أو حله إذا تفشى. وبما أن هذه المسؤولية التأديبية تهدف إلى منع الخطايا فهي تتفق مع الحديث الشريف "لا ضرر ولا ضرار"، ومع الآية الكريمة: "ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" (190: 2).
ثانيا: يحملنا الإسلام مسؤولية أخلاقية دائمة تتعلق مباشرة بعلاقتنا مع الله تعالى، الذي يسائل الإنسان على أعماله يوم القيامة. ويذكر تحمل وزر هذه المسؤولية الإنسان بالالتزام بالقيم الأخلاقية، التي يشجعها القرآن الكريم من خلال الوعد بالمغفرة الإلهية والسلام الأبدي في الجنة، إضافة إلى الإبقاء على الوعد الجزائي لمن يرتكب عملا خاطئا. ليس لأي مخلوق سلطة في العقاب أو المغفرة. الله تعالى وحده، في الحياة الآخرة، يحكم على أعمال الفرد وأفعاله. لذا يتوجب على الفرد أن يعمل على تنقية روحه ونفسه من الرغبات الدنيوية والشهوات، وأن يعمل على تحسين علاقته مع الخالق جل وعلا.
وتنسجم وجهات النظر في الإسلام، بالنسبة للحرية، مع ندائه الإلهي للإنسان لأن يصقل سلوكه ويستخدم مهاراته وفنونه لأجل الصالح العام، إضافة إلى الهناء الفردي. ويتمتع أصحاب المعرفة والعلم والفن بمنزلة أعظم في المجتمع بسبب قدرتهم على توضيح مختلف القضايا واتخاذ دور عيون المجتمع وآذانه. إضافة إلى ذلك فإن لهم دورا فاعلا في المجتمع، وبالتالي تصبح مسؤوليتهم تجاه الآخرين أعظم وأكثر رزانة ووقارا.
ويرحب الإسلام بالشعر والتأليف وغيرها من أشكال الفن ويحترمها طالما أنها لا تتعدى على أحد. فالتعدي على الآخرين يغلق بالتالي إجراءات جزائية ضد الفنان، بهدف الحفاظ على النسيج الأخلاقي للمجتمع وحمايته من التعدي عليه باسم حريات فردية هي في غير مكانها. لا يحق لأحد، سوى من يملك السلطة الدينية، أن يتبوأ دورا سلطويا.
يحصل الفن على قيمته من القضية الإنسانية التي يخدمها. لذا يجب أن يدعم دور المبدع قضايا إنسانية عادلة وأن يرسخ القيم النبيلة الساطعة. فالعلاقة بين الفن والإنسان، في نهاية المطاف، علاقة متبادلة: تماما مثلما يعيش الإنسان بالفن، يعيش الفن بالإنسان.
وأي فن يضر بالمثل الإنسانية من الحقيقة والفضيلة ويسيء تمثيل تطلعات المجتمع ينخرط تحت قول النبي محمد (ص) "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت."
وفي حال قيام عمل مبدع خلاق بالتعدي على فرد آخر أو يرتكب إساءة يعاقب عليها القانون، فإن من واجب السلطة أن تتخذ إجراءا فوريا لاحتواء هذا التعدي، ومنع نشوب أي نزاع نتيجة لذلك. ليس مسموحا لأي إنسان أن يقنع الآخرين أو يعتقد بأنه موكل من قبل الله تعالى لأن يوقع عقابا أو يحمل الآخرين مسؤولية أعمالهم.
ويعتبر الفن الذي لا يخدم القضايا الإنسانية، من المنظور الروحاني والإنساني، يعتبر في نهاية المطاف أقل قيمة من مقاييس العمل الخلاق المبدع ذي القيمة، ويصبح بطبيعته ذا عمر قصير. وأية محاولة لمنع فن كهذا أو إزالته بالقوة ما يطلق البعض عليه صفة "الفن لأجل الفن" - غير ذي جدوى، ويجب إعادة توجيه طاقات الإنسان بدلا من ذلك نحو القيام بمساهمات إيجابية تجاه مجتمعاتنا وعالمنا عبر أي أسلوب متوفر لنا. هذا التجلي لحرية التعبير التي وهبها الله تعالى لنا أمر عظيم.
3- المبدأ الثالث العقلانية:
إن العقلانية الحديثة ليست مطلقة أو واجبة بل على العكس هي نسبية وغير واجبة لأنها تتعلق بموروث فكري يوناني أخذ بتصور اللوغوس ومن حقنا نحن ذوي ثقافة مخصوصة أن نختلف عن أساليب العقلانية الحديثة والخروج عليها إلى أساليب عقلانية مخصوصة وهذا هو الإبداع المنافي للتقليد الذي سقط فيه المسلمون أيضا حتى اشتهرت بينهم مقولة: "يصح عقلا وشرعا" وكأن الشرع لا عقل فيه كما بين الفيلسوف المجدد طه عبد الرحمان، وخصوم الشرع يعتبرونه قرارات غير معللة وكأنه ليس في تصورهم للعقل والعقلانية أيضا قرارات غير معللة ولا مسلمات يعجزون عن البرهنة عليها، وكأنه ليس في الشرع أسباب وعلل وتعليلات. !
إن العقلانية الحديثة في السياق العلماني تقوم على منطق لا عقلاني تقني - العقل التقني أو الأداتي - استعبد الإنسان واسترقه حين خرجت عن كل الضوابط المنطقية والأخلاقية، وهي تقوم على الإنفصال عن الأخلاق حتى ظهر من المخترعات ما أضر بالإنسان والطبيعة والبيئة..إنه يمكن القول أن اللاعقلانية تلازم العقلانية العلمانية وذلك من خلال تجاوز النظريات العلمية لبعضها أو كما قال (باشلار) تاريخ العلم تاريخ من الأخطاء أو بتعبير (كارل بوبر) العلم هو تاريخ من الأخطاء المصححة ولاشك أن هذه الأخطاء لاعقلانية تؤدي إلى تجاوزها..وإذا كانت العقلانية الحديثة تسيطر اليوم على الواقع فإنه بالنظر لنسقها المنطقي نجدها تحتوي على ما لايمكن لهذا النسق نفسه البرهنة عليه وهو ما سماه الدكتور طه عبد الرحمان بحدود الأنساق الصورية في الحدود المنطقية للعقل المجرد وتتمثل في عدم البت وعدم التمام، وهذا ينافي مبدأ التعقيل إذ تمت عقلنة ما لايمكن تعقيله وهو ما يجعل العقلانية الحديثة قاصرة عن إدراك حقائق علمية ثابتة في مجال نسبي! وهذه العقلانية نفسها نسبية تنبني على متغيرات متباينة من الأنساق والقواعد، والنظريات العلمية في التاريخ ليست مكملة لبعضها بل متباينة متناقضة -نظرية نيوتن ونظرية أينشتاين، نظرية التكوين مع نظرية التطور، ونظرية الميكانيكا الذرية والميكانيكا العقلية ...- ومن الناحية الفلسفية وقعت العقلانية الحديثة في مادية ظاهرة قائمة على إدراك الأشياء من منظور المماثلة في إطار ما سماه طه عبد الرحمان بالتظهير القائم على تصريف ظاهري لأمور لا تقبل هذا التصريف كما لو مثلنا على النية والقصد بسهم مرسوم! وفي إطار التحييز كأن يسوى بين الخشوع وبين الذبذبات الحاصلة في الدماغ وفي إطار التوسيط الذي يقتضي إدراك الحقائق بواسطة الوسائط ويقوم هذا المبدأ على أنه كلما كان الشيء مجسما وكثيفا قلت الوسائط إليه وكلما كان دقيقا ولطيفا كثرت الوسائط إليه، وعلى هذا تكون الغيبيات المتناهية في الدقة واللطافة مستلزمة لما لا حصر له من الوسائط!
ويرى طه عبد الرحمان أن بعض الأنساق المنطقية خالية من الضوابط المشهورة للعقلانية كما يتعلق بمبدأ عدم التناقض الذي اعتبروه شرطا في تحصيل العقلانية، والتناقض سببه تلك المبادئ الإستدلالية الخاصة مثل "مبدأ استثناء عين المقدم" و "مبدأ لزوم أي شيء من التناقض" و "مبدأ لزوم الصحة عن كل شيء "وليست هناك أي ضرورة منطقية للتقيد بهذه المبادئ حسب طه عبد الرحمان إذ يمكن بناء أنساق متناقضة أو شبه متناقضة من غير أن يؤدي ذلك إلى انتشار التناقض فيها وهي ليست أقل صحة من الأنساق غير المتناقضة، ويلزم من قول أولئك أن أخذ الناس بالأحكام المتناقضة في حياتهم اليومية بما تدعوهم إليه الضرورة الملجئة تصرف غير عقلاني لأنه متناقض وهذا لا يصح لأن ذلك لا ينافي السلامة العقلية.
إن مفهوم العقل في القرآن هو غير المدلول اليوناني الذي يشيء العقل ويعتبره جوهرا قائما بذاته يفارق به الإنسان الحيوان وهو ما أخذت به الثقافة الغربية وأخذت به الثقافة العربية أيضا تقليدا وهذا المعنى يقوم "بتشييء الممارسة العقلانية بأن تنزل عليه أوصاف الذوات مثل" التحيز "" والتشخص "و" الإستقلال "و" التحدد بالهوية "و" اكتساب الصفات والأفعال "... وتجزيئية لأنها تقسم تجربة العاقل الإنساني المتكاملة إلى أقسام مستقلة ومتباينة، ذلك أن تخصيص العقل بصفة" الذات "يجعله منفصلا عن أوصاف أخرى للعاقل لا تقل تحديدا لماهية الإنسان ك "العمل" و "التجربة" مثلا، إن لم تكن أقوى تحديدا لهذه الماهية، فلو جاز التسليم "بجوهرية العقل"، فلأن يجوز التسليم "بجوهرية" العمل و "جوهرية" التجربة أولى فيكون العمل هو الآخر ذاتا كما تكون التجربة جوهرا مفارقا مثله مثل جوهر العقل.ولايخفى ما في هذا القول من تعدد الذوات القائمة بالإنسان من مجانبة للصواب "(انظر العمل الديني وتجديد العقل / طه عبد الرحمان).
إن العقل في القرآن هو فعل ونشاط قلبي فكما يبصر بعينه ويسمع بأذنه كذلك يعقل بقلبه "أم لهم قلوب يعقلون بها" "فتكون لهم قلوب يعقلون بها" وليس ذاتا أو جوهرا بالتعبير الفلسفي .. وإذا كانت العقلانية العلمانية الحداثية ترفض مبدأ اليقين - أي نجوع الوسيلة ونفع الغاية - فإن العقلانية القرآنية أو الإيمانية تقتضي اليقين - نجوع الوسيلة ونفع الغاية - لأنها مرتبطة بالوحي الذي نزل لصلاح الإنسان ولبيان النفع اليقيني والوسيلة إليه.إن العقلانية الإسلامية لها مرجعية وهي نصوص الوحي في حين أن العقلانية العلمانية لا مرجعية لها إلا المرجعية المادية، منقطعة عن الدين والأخلاق وكل القيم الإنسانية وهي ترى العقل ذاتا مطلقة ترفض كل شيء ..
4- المبدأ الرابع العدالة:
أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن لأهداف سامية وربانية، ومن أهم سماة القرآن العدل بين الناس، لأن العدل هو ميزان الله على الأرض، يقف مع الضعيف حتى لا يأكله القوي، ويكون مع المظلوم حتى ينتصر على الظالم. من سمات العدل في الإسلام أنه لا عاطفة فيه فلا يتأثر بجنسية أو عرق أو نسب، فإذا كان العدل يدخل فيه العاطفة قد دمرت مبادئه وقيمه الإنسانية، والله عندما وضع تشريعاته في القرآن لم يميز أحد بل الكل سواء، فالأسس الربانية قيمها أسمى من تشريعات البشر، وكان الرسول أحرص الناس على العدل والمساواة بين الناس، وعندما قال الرسول: لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها، فهنا يعلمنا الرسول القيم الموجودة في القرآن وأنه يجب تطبيقها على كافة طبقات المجمتع وفي أي زمان ومكان فالقرآن كتاب تشريع للأمم الى قيام الساعة. كما أمر الإسلام بالعدل حرم الظلم: للظلم سمات كثيرة ومنها ظلم النفس، وظلم الآخرين، وظلم الميراث، وظلم التمييز في التعامل، كل هذه أنواع الظلم قد حرمها الله ورسوله، فدعوة المظلوم ليست بينه وبين الله حجاب، لأن الله يبغض الظلم وينصر المظلوم لو بعد حين. الإسلام دين الوسطية فهو يعدل في كل أمور الحياة، فإن الإسلام إذن دين عادل يعدل في حياة الإنسان، ويعدل في العلاقات بين الناس، والغريب أن الله أنزل كتاب حياة للإنسان حتى يجد طريق يستطيع العيش فيه، والأغرب أن الله عز وجل أنزل كتاب تشريع بين الناس ولا تطبقه أمة محمد، فيتركون كتاب فيه الخير والعدل والإصلاح من أمور لحياة المسلمين ويركضون على تشريعات يضعها الغربيون لا أسس ولا مبادئ ولا أخلاقيات فيها، ونقول أن الغرب هم أساس العدل والمساواة، أتعجب من أمة يتركون ما يأمرهم الله بفعله وتاريخ عريض للمسلمين الذين نشرو الإسلام لتطبيقهم لقرآن الله ويتركونه خلفهم ويركضون وراء ناس لا يفهمون معنى الحياة وهدفها.
5- المبدأ الخامس التسامح والتعددية:
فالإسلام قد نص على التسامح مع مختلف الأديان وجاء في الآية 69 من سورة المائدة: "إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يخزنون". وهذا يعني أن الذين آمنوا (أي المسلمين) والذين هادوا (أي اليهود) وكذلك المسيحيين والصابئة، وباختصار: كل الذين يؤمنون بالله ويعملون ما هو صالح، لا يخشى من أن يعذبوا في الآخرة أو أن يحرموا من النعيم. أليس في ذلك دليل على أن الإسلام يتجاوز في تسامحه طوائف المسلمين إلى بقية الأديان؟ وعندما كان الأمويون يحكمون الأندلس تسامحوا مع الجماعات اليهودية والمسيحية وشهد عصرهم، باعتراف الكتاب الغربيين أنفسهم، ازدهارا لا يضاهى للثقافات الثلاث.
أما بالنسبة للتعددية ففي البداية نتساءل ما المقصود بالتعددية؟ فالتعددية تعني في أي شكل من أشكالها: مشروعية التعدد، وحق جميع القوى والآراء المختلفة في التعايش، وفي التعبير عن نفسها، وفي المشاركة على صعيد تسيير الحياة في مجتمعها.
ويمكن تقسيم التعددية إلى أقسام كثيرة، ولكن نركز على أهمها:
1. التعددية الدينية: وتختص بالتعدد في الدين والعقائد والشرائع والمناهج المتصلة به، ومفهومها يعني أولا: الاعتراف بوجود تنوع في الانتماء الديني في مجتمع واحد أو دولة تضم مجتمعا أو أكثر.
ويعني ثانيا: احترام هذا التنوع وقبول ما يترتب عليه من اختلاف أو خلاف في العقائد.
ويعني ثالثا: إيجاد صيغ ملائمة للتعبير عن ذلك في إطار مناسب وبالحسنى بشكل يحول دون نشوب صراع ديني يهدد سلامة المجتمع.
ومفهوم التعددية الدينية هذا يتضمن الإقرار بمبدأ أن أحدا لا يستطيع نفي أحد، كما يقر مبدأ المساواة في ظل سيادة القانون، كما يلتزم بمبدأ حرية التفكير والتنظيم واعتماد الحوار واجتناب الإكراه.
ففي ظل الإسلام لا تلغى الديانات الأخرى، ولا يحظر وجود سائر المبادئ والملل، بل يخاطبهم القرآن الحكيم معترفا بوجودهم، وتاركا لهم حرية اختيارهم يقول الله تعالى: (لكم دينكم ولي دين) (سورة الكافرون / 6).
وهذا هو الذي عمله الرسول (ص) فإنه لما ظفر بأصحاب بدر، وكانوا مشركين لم يقتلهم بل أخذ منهم الفداء وتركهم على شركهم، فلم يجبرهم على الإسلام، وكذلك فعل بأهل مكة فإنه (ص) قال لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء، فلم يقتلهم ولم يجبرهم على الإسلام، وكذلك صنع بأهل حنين .. إلى غير ذلك مما لا يخفى على من له أقل إلمام بتاريخ الرسول (ص)، وهذا هو المقطوع به من سيرة رسول الله (ص) بل وسيرة المسلمين طوال التاريخ الإسلامي، فإنه لم يعهد من أي مقاتل من المسلمين أن يقتل جميع الكفار الذين لم يكونوا أهل كتاب ولم يسلموا، بل مختلف أنواع الكفار كانوا يعيشون في كنف الحكومات الإسلامية السنية والشيعية بسلام، كما لا يخفى ذلك على من راجع التاريخ.
وقد اقتدى أمير المؤمنين (علي) برسول الله (ص) واحترم كل حريات الناس حتى الأقليات التي كانت تحت لواء الإسلام، وفي الوقت الذي كان الإمام في أقصى درجات القوة، وحدود بلاده وحكومته تمتد من أواسط ما كان يسمى بالاتحاد السوفياتي إلى غرب أفريقيا لم يجبر أي مواطن على أن يترك عقيدته وأن يعتنق الإسلام، بل العكس صحيح، فقد ورد في روايات عديدة عن الأئمة الأطهار حول الأقليات الدينية تقول: (الزموهم بما التزموا به) وقال الإمام الحسين: (إن لم يكن لكم دين فكونوا أحرارا في دنياكم). فالروايات الواردة عن الأئمة الأطهار حول الحريات كثيرة، حتى أن فقهاء الإسلام اعتمادا على الكتاب والسنة استنبطوا قاعدة عامة مختصرة ومفيدة تقول: (الناس مسلطون على أنفسهم وأموالهم).
وحينما يقبل الإسلام بوجود سائر الأديان والاتجاهات ضمن مجتمعه وفي ظل دولته، فإنه يمنحهم الحرية الكاملة في ممارسة شعائر أديانهم والقيام بطقوس عباداتهم، وتنفيذ تعاليمها وأحكامها دون أن يفرض عليهم شعائره وأحكامه أو يتدخل في شؤون أديانهم.
2. التعددية المذهبية: هي التعدد المذهبي في إطار الدين الواحد، ومفهومها يعني أولا: الاعتراف بوجود تنوع في الانتماء المذهبي في مجتمع واحد أو دولة تضم مجتمعا أو أكثر.
ويعني ثانيا: احترام هذا التنوع وقبول ما يترتب عليه من اختلاف أو خلاف في الفروع أو غيرها.
ويعني ثالثا: إيجاد صيغ ملائمة للتعبير عن ذلك في إطار مناسب وبشكل يحول دون نشوب صراعات مذهبية تهدد سلامة المجتمع.
ومفهوم التعددية المذهبية يتضمن الإقرار بأن (أحدا لا يحق له نفي أحد) و (ضمان حرية التفكير والتعبير المذهبي للجميع) و (المساواة في ظل سيادة القانون).
ويجب التأكيد هنا على أن تعدد الفرق والمذاهب داخل الدين الإسلامي يشكل ظاهرة طبيعية بل هي سمة ثابتة في جميع الأديان السماوية والوضعية.
لقد بدأت المذاهب الإسلامية في التكون منذ بداية القرن الأول الهجري، ويحكي لنا التاريخ عن نشوء الكثير من المذاهب والفرق والمدارس الفقهية، ولكن بعضها لم ينتشر ولم يكثر أتباعها، مما أدى إلى انقراضها، أما الذين تأصلت مذاهبهم وبقيت إلى يومنا هذا، فأهمها ما يلي:
أ- السنة بمذاهبها الأربعة: الحنفي، الشافعي، المالكي، الحنبلي.
ب- الشيعة بطوائفها الثلاث: الإمامية الاثني عشرية، الزيدية، الاسماعيلية.
ج- الخوارج والمعروف منهم حاليا: الأباضية.
نستنتج من كل ما تقدم، أن ظاهرة (التعددية المذهبية) ظاهرة طبيعية، وسمة لازمة في جميع الأديان والعقائد، وأن الإسلام ليس بخارج عن تلك القاعدة، كما يؤكد على ذلك التاريخ الماضي والواقع المعاصر، وأنه لا يمكن إلغاء تلك المذاهب، ولكن من الممكن الاتفاق على (القواسم المشتركة) التي تجمع بين المذاهب الإسلامية المتعددة، والتسامح في شتى الفروع الفقهية ووجهات النظر المذهبية الأخرى.
ومن الطبيعي جدا أن يكون هناك تعدد في المذاهب، ومن ثم في الآراء والأفكار والتصورات، ولكن الشيء غير المنطقي هو أن يدعي أحد أن له وحده حق فهم الإسلام، ومصادرة هذا الحق من الآخرين، وأن له حق تفسير النصوص حسب فهمه، وليس للآخرين إلا أن يكونوا نسخا مكررة عنه، واتهام مخالفيه بمخالفة السنة، والخروج من دائرة الدين، والوقوع في حبائل الشرك والكفر والضلال !!
إن التعصب بجميع أشكاله، ومحاربة فكر وآراء الآخر، والعمل على فرض آراء الذات بأي وسيلة لن يحقق إلا تمزيق الأمة وتفتيت وحدة المجتمع المسلم، وإضعاف الروح المعنوية، وخلق الفتن والصراعات والمعارك لا تبتعد عن كونها تجادل، والحروب العبثية، وهي عملية هدم لكيان الأمة كله .
ولا خيار أمام الأمة الإسلامية كي تتوحد، إلا بالتزام بالتعددية، ووحدة التنوع، فالأمة الإسلامية وحدة واحدة، تتفق كلها على أن دينها الإسلام، من هنا يمكن القول بأن الوحدة بين أبناء الأمة ممكنة ولكن في إطار التعددية، فهي وحدة واحدة في الدين ومتعددة في إطار هذة الوحدة!
3. التعددية السياسية: وتعني مشروعية تعدد القوى والآراء السياسية وحقها في التعايش وفي التعبير عن نفسها، وفي المشاركة في التأثير على القرار سياسيا في مجتمعها.
ومصطلح التعددية السياسية يعني أولا: الاعتراف بوجود تنوع في مجتمع ما، بفعل وجود عدة دوائر انتماء فيه، ضمن هويته الواحدة.
ويعني ثانيا: احترام هذا التنوع وقبول ما يترتب عليه من خلاف أو اختلاف في العقائد والألسنة والمصالح وأنماط الحياة والاهتمامات، ومن ثم الأولويات. ويعني ثالثا: إيجاد صيغ ملائمة للتعبير عن ذلك كله بحرية في إطار مناسب وبالحسنى، بشكل يمنع نشوب صراع يهدد سلامة المجتمع، وإن اشتراك جميع فئات المجتمع في هذا الإطار بآرائهم هو ما يصطلح على تسميته بالمشاركة السياسية.
وقد كان في دولة المدينة في عهد رسول الله (ص) مجموعة من القوى السياسية وقد تعامل النبي مع كل تلك القوى والجماعات السياسية ولم يعمل على إلغائها أو إضعافها، وذلك من أجل الحفاظ على التوازن الاجتماعي والسياسي المطلوب، فضلا عن أن تكوين القوى والتجمعات السياسية، هو حق من حقوق الحرية السياسية.
ومفهوم التعددية السياسية يشير إلى حق (المعارضة) في ممارسة أنشطتها، وقد كفل الإسلام للمعارضة السياسية السلمية كافة الحقوق المشروعة، كما أن في التجربة الإسلامية الأولى دلائل وشواهد تؤكد شرعية المعارضة والتعددية في الإسلام.
وقد أرسى الإمام علي حق (الرأي الآخر) والتعبير عن ذلك الرأي بأي وسيلة مشروعة، فلم يسجن أحدا لمخالفته له في الرأي، ولم يمنع أحدا من العطاء لأنه لا يتفق معه في موقف أو في رؤية، ولم يبطش بأحد خالفه في الفكر أو المعتقد، بل سمح لكل الآراء أن تعبر عن ذاتها، ولو كان ذلك التعبير على شكل مظاهرة سلمية، أو اضراب مدني.
ويحدثنا التاريخ: أن الإمام لم يكن يمنع المظاهرات والاضرابات، حيث (أنه اتفق في زمانه أن أغلق أهل الكوفة الدكاكين، حيث حكم بحكم لم يرضوا به، وفي مرة أخرى حيث عزل قاض لم يرض بعض أهل الكوفة بعزله، خرجوا في تظاهرة، والإمام لم يتعرض لهم بسوء، وإنما تركهم وشأنهم بعد أن نصحهم.
وروى المؤرخون: أن (الحريث بن راشد الشامي) كان عدوا للإمام، فجاءه قائلا له: والله لا أطعت أمرك، ولا صليت خلفك! فلم يغضب لذلك، ولم يبطش به، ولم يأمر به بالسجن أو العقوبة، وإنما دعاه إلى أن يناظره حتى يظهر أيهما على الحق، ويبين له وجه الحق لعله يتوب، فقال له الحريث: أعود إليك غدا، فقبل منه الإمام، فانصرف الرجل إلى قومه ولم يعد! .
ولم يكتف الإمام بالعدل مع الخوارج، ومنحهم حقوقهم كاملة إبان المعارضة، بل أوصى بهم خيرا بعد وفاته، فقال قولته الشهيرة: (لا تقاتلوا الخوارج بعدي، فإنه ليس من طلب الحق فأخطأه، كمن طلب الباطل فأدركه).
ولقد سمح النبي (ص) والإمام علي للمعارضة سواء كانوا أفرادا أو جماعات أن يقوموا بدورهم تعليما للأمة في السماح للمعارضة، وإن كانا هما معصومين، وقد ورد في القرآن الكريم في النبي (ص): (وما ينطق عن الهوى)، وقال (ص ) في الإمام علي: علي مع الحق والحق مع علي، وعليه فلا يحق للحاكم مهما كان أن يكبت المعارضة، فإن ذلك بالإضافة إلى كونه خلاف السيرة خلاف العقل والمنطق، ويوجب كراهة الناس للحاكم مما ينتهي إلى سقوطه.
ولعل أهم ما نستطيع استنتاجه من تجربة الإمام علي مع معارضيه أن للرأي الآخر مكانا في الدولة الإسلامية، وأن الإسلام يكفل كافة الحقوق المشروعة للمعارضة السياسية السلمية، أما المعارضة المسلحة ضد الدولة الإسلامية فلا شرعية لها، إذ لا شرعية في محاربة الشرعية.
الخلاصة
بالرغم من تفاخر الغرب لما وصلوا له من فكر وهو متمثل بالفكر الليبرالى وسعوا الى بناء مبادئة بكل ما تحمله من كلمة، الا أنهم لم ينظرون بعين المنصف يوما واحدا، بأن كل المبادئ التى يتبنوها داخل الفكر الليبرالي هى موجودة بالفعل فى جوهر الأسلام، ولكنهم دائما وابدأ يأخذون النصوص التى تسعى الى أظهار الجانب السيئ من الأسلام، بدون فهم لهذه النصوص، وللأسف ساعدهم على ذلك الكثير من المفكرين العرب والمسلمين، على تبنى مثل هذه الأفكار، والليبرالية أيضا نشأت بسبب أضطهاد الكنيسة وظهور مبدأ الكهنوت، وهذا المبدأ غير موجود بالأسلام حيث يحق لأى فرد أن يجتهد بالدين ويبحث عن الحقيقة بنفسة بدون مساعدة من رجال الدين وفى نهاية البحث المتواضع وجدنا أن الأسلام دين حنيفى ومتعدد الأوجه.

الخميس، 14 أبريل 2016

البورصة وأهميتها فى تنمية الإقتصاد والمجتمع!


 إنّ أهم موضوع تركز عليه المؤسسات مهما كانت أنواعها وأحجامها وكيفية الحصول على الأموال لتمويل عملياتها الإنتاجية وضمان الاستقرار والاستمرارية، وقد ساد العشريتين الأخيرتين اعتماد المؤسسة على أموالها الخاصة وذلك عن طريق رفعها وتنميتها بدلا إلى اللجوء إلى القروض وهذا ما زاد في أهمية البورصة، إذ تعتبر البورصة قناة من قنوات الادخار، حيث يتم جمع هذا الأخير من الجمهور وإعادة ضخه في الاقتصاد ككل كما تحتوي على عدة أدوات مالية تجلب المستثمرين وتضمن لهم الحماية من المخاطر، كالتقلبات في الأسعار، من بين هذه الأدوات العقود المستقبلية والاختيارات لمختلف أنواعها، أضف إلى ذلك مؤشرات البورصة التي كانت تستعمل لمعرفة اتجاه السوق وأصبحت هي الأخرى تباع وتشترى شأنها شأن أي ورقة مالية.
  ولقد عمل المختصون على إيجاد وسيلة لقياس التغيرات التي تحدث في المنتجات المالية المطروحة للبيع والشراء ومن جهة أخرى تحسين وضعية الاقتصاد وإمكانية التنبؤ بها، وهنا بدأت أهمية المؤشرات البورصية تظهر في توضيح اتجاه الأسعار في البورصة، ولكن هناك باحثون يخالفون هذا الرأي، ذلك أنّ الأدوات المالية بصفة عامة والإفراط في استعمال المؤشرات بصفة خاصة قد ساهما بقسط كبير في انهيار البورصات العالمية في سنة 1987 كما أدّى الاستعمال المكثف للمؤشرات في الاستيراد بها في المعاملات لا سيما اتخاذ القرارات الاستثمارية إلى سيطرتها على البورصات العالمية سيطرة كلية ومهدت لظهور المؤشرات المالية.
مدخل إلى البورصة
نظرا للأهمية الكبرى التي تتسم بها البورصة والمتمثلة في عكسها لمختلف التغيرات والتطورات الاقتصادية العالمية التي تحدث دوريا وفي فترات قصيرة.
فالبورصة إذا بمثابة جهاز لقياس قوة أو ضعف اقتصاد بلد ما وهذا بصفة مستمرة أو هي دائرة من الدوائر الأساسية التي تساهم في تمويل قطاعات النشاط الاقتصادي وهذا باعتبارها سوقا للبضائع أو الذهب والعملات الصعبة، أو الأوراق المالية المصدرة من طرف الشركات، من أجل هذا كله كانت البورصة محل اهتمام الكثير من الدول بما فيها تلك السائرة في طريق النمو والمتخلفة.
ماهية البورصة وتاريخ نشأتها
1- ماهية البورصة:
¨ التعريف الأول: تعد البورصة سوقا يلتقي فيه كل من البائع والمشتري لإتمام عملية تبادل من المبادلات المختلفة، ومن ثم فإنّ نشاط البورصة يتسع ليشمل كافة أنواع المعاملات والأنشطة التي يمارسها البشر ويحتاجون إليها لإشباع حاجاتهم ورغباتهم.
¨ التعريف الثاني: البورصة هي سوق منظمة تنعقد في مكان معين وفي أوقات دورية بين المتعاملين، من أجل بيع وشراء مختلف الأوراق المالية أو المحاصيل الزراعية أو السلع الصناعية، وتؤدي كلمة البورصة معنيين هما:
1- المكان الذي يجتمع فيه المتعاملون للبيع والشراء.
2-  مجموع العمليات التي تنعقد فيه .
من خلال التعاريف السابقة يمكن القول بأنّ مفهوم البورصة يتمثل فيما يلي:
   تركيز رؤوس الأموال المدخرة ثم تحويلها إلى استثمارات طويلة الأجل تحصل فيها الفوائد بالمضاربة بالأوراق المالية أو بيع وشراء المحاصيل الزراعية حيث يتم التعامل فيها وفق قوانين تنظم قواعد التعامل وعقد الصفقات بين البائع والمشتري.
2- تاريخ نشأة البورصة:تعود كلمة البورصة إلى القرن 15م نسبة إلى عائلة Vander Bourse التي كانت تملك فندقا كان يجتمع فيه التجار القادمين من فلورنسيا إلى مدينة بروج البلجيكية، والتي كان يؤمه التجار من كافة المناطق حيث تطورت التعاملات فيه، ونظرا لعدم اصطحاب التجار بضائعهم معهم كانت تتم الارتباطات في شكل عقود وتعهدات، ومن ثم استبدلت البضائع الحاضرة بالتزامات مستقبلية قائمة على الثقة المتبادلة بين الأطراف المتعاملة.
وأتى لفظ Bourse ليعبر عن المكان الذي يجتمع فيه التجار والمتعاملين معهم، لإبرام الصفقات والعقود والإنفاق الحاضر أو الآجل عليها وبالطبع كانت هناك أماكن أخرى يجتمع فيها التجار قبل هذا التاريخ ولم تكن قد سميت بالبورصات بعد، فعلى سبيل المثال كان الفراعنة في مصر يسمحون للتجار بعرض بضائعهم والاتفاق عليه وتحديد أسعارها لدى عزيز مصر حيث كان يجتمع كل التجار لديه وتتم الصفقات أمامهم، كما عرف تجار العرب نظام بورصات السلع من خلال الشيخ "بندر التاجر" وتمويلها والاتفاق لأجل عليها.
   وأول بناء أنشأ للبورصة وعرف بهذا الاسم هو بناء مدينة Amers في بلجيكا عام 1460 وفي هذا الصدد يجب أن نشير إلى أنّها قامت عام 1952 بنشر تسعيرة الأسعار المسجلة ثم تلتها بعد ذلك ظهور العديد من البورصات في أوروبا، حيث تعتبر مدينة Lyon بفرنسا أول من نظمت بورصات للقيم ثم جاءت بورصة تولوز بباريس عام 1549 – 1563 ثم بورصة روما بإيطاليا عام 1566 لتأتي بعد ذلك بورصة بوردو بفرنسا 8 سنوات بعد ظهور بورصة باريس ثم ظهرت بورصة أمستردام بهولندا عام 1608 وفي بال عام 1683 وفي فينّا عام 1762 أمّ في بريطانيا فظهرت بورصة لندن عام 1773 وفي نيويورك عام 1792 التي تعتبر أهم بورصة للقيم في العالم نظرا لحجم التبادلات اليومية.
   وتجدر بنا الإشارة إلى أنّه في القرن السابع عشر ميلادي قام العاملون في البستنة في هولندا عقود آجلة بغية تغطية مخاطر انخفاض الأسعار.
أنواع البورصات والأوراق المالية
1- أنواع البورصة: هناك أنواع عديدة من البورصات تمارس نشاطها في الدول المختلفة ويلاحظ أنّه كلما كانت الدولة متقدمة كلما ازدادت وتنوعت البورصات العاملة فيها ويمكن أن تفرق بين ثلاثة أنواع من البورصات:
1-1 بورصة البضائع: وهي سوق منظم تتركز فيها المبادلات التجارية الخاصة بالمنتجات الطبيعية ذات استهلاك كبير كالبن والقطن والقمح والسكر ·····الخ.
وتسمى بورصة البضائع بالبورصة التجارية وتعتبر أقدم عهد من البورصات الأخرى إذ أنّها تؤسس تسيير من طرف غرفة التجارة في المكان الذي تتواجد فيه ، وبجدر بالذكر على أنّه يتم الاتفاق عند عقد الصفقة على ما يلي:
-    بالنسبة للسلعة: نوعيتها، كميتها، سعر الوحدة.
-    بالسبة للتسليم: التاريخ أو الفترة وطريقة الشحن.
-    بالنسبة للدفع: نقدا أو على دفعات.
وأشهر بورصات البضائع في الوقت الحالي هو:
- بالنسبة لمادة الشعير هي بورصة ليفر بول يينغ.
- بالنسبة لمادة البن هي بورصة لندن وباريس ونيويورك.
- بالنسبة لمادة السكر هي بورصة شيكاغو، لفربول، كنساس سيتي.
1-2 بورصة الذهب والعملة الصعبة: بورصة الذهب والمعادن النفيسة في سوق منظمة لها وجود مادي في قاعات خاصة حيث تتم المفاوضات حول المعادن النفيسة من قبل أعوان الصرف وتختلف أسعار هذه المعادن اختلافا كبيرا بالنسبة لمصادرهم (أمريكا، روسيا، جنوب إفريقيا البرازيل وغيرها)، بسبب اختلاف طرق الحصول عليها وشحنها والتأمين عليها ودرجة الشوائب فيها، أمّا بورصة العملة الصعبة التي تسمى أيضا سوق الصرف فهي سوق عالمية يتم فيها تبادل العملات، كما يتم تحديد أسعار صرفها أو أسباب ارتفاعها أو انخفاضها.
وهي سوق تلغي أي تدخل خارجي فهي تنظم نفسها بنفسها والمتعاملون فيها ينشطون طيلة أيام الأسبوع وخلال مدة 24سا/24سا.
1-3 بورصة القيم المنقولة: هي عبارة عن نظام يتم بموجبه الجمع بين البائعين والمشترين لنوع معين من الأوراق  أو بعبارة أخرى هي من الأسواق التي يتم فيها عرض الأموال وتداولها. إذا فبورصة القيم المنقولة المسجلة في البورصة وتمثل هذه القيم المنقولة حقوق الشركاء (أسهم) أو المقرضين على المدى الطويل (السندات).
وهي أيضا سوق منظمة يلتزم فيها المتعاملون بمراعاة القوانين واللوائح التي تنظم تعامل فيها حيث تقوم على إدارتها هيئة تتولى الإشراف على مراعاة هذه القوانين واللوائح.
2- أنواع الأوراق المالية: لما كانت البورصة سوقا والسوق يحتاج إلى منتجات للتعامل بها فإنّ منتجات البورصة هي الأوراق المالية وتعرف الأوراق المالية على أنّها تلك الأسهم والسندات التي تصدرها الشركات الحكومية وغير الحكومية (سندات طويلة الأجل، أذونات الخزينة، أسهم الشركات العمومية...).
فالورقة المالية تعتبر صكّا وذات حق في أصل معين وفي التدفقات النقدية المتوقعة الناتجة عن هذا الأصل أي أنّها مستند ملكية أو دين بين حقوق ومطالب المستثمر.
بالأوراق المالية إلى جانب تحقيقها عائدا مناسبا للمستثمرين فإنّها تمنح لهم سهولة تحويلها إلى نقود عند الحاجة إذ من الممكن بيعها في البورصة والحصول على عائد من النقود وتنقسم الأوراق المالية إلى نوعين:
2-1 الأســـهم:
تعريف الســـهم: هو عبارة عن شهادة تخوّل لمالكها الحق في ملكية جزء من رأس مال الشركة التي أصدرت هذا السهم، والأسهم قابلة للتداول والانتقال في البورصة إمّا بالطرق التجارية أو من يد إلى يد أو بالقيد في سجل الشركة وعندما يتنازل شخص عن أسهمه تصبح الشركة مدينة للمساهم الجديد ويحل محل مالك السهم القديم في كل ماله من حقوق على الشركة وتشمل هذه الحقوق ما يلي:
- حق الحصول على ما يخص السهم من أرباح وفقا للحصة المخصصة لكل سهم والمقررة توزيعها على حملة الأسهم.
- حقوق على أصول وموجودات الشركة تعادل نصيب كل سهم من صافي أصول الشركة أو ناتج بيع هذه الأصول بعد استبعاد حقوق الغير منها عند تصفية الشركة وهو مايعادل تقريبا نصيب السهم من رأس المال.
- حق الحصول على بيانات ومعلومات دورية عن موقف الشركة المالي، وعن نتائج أعمالها.
- حق حضور الجمعيات العمومية سواء العادية أو غير العادية ومناقشة ما يعرض فيها وطرح الملاحظات والاقتراحات وحق التصويت على مشروعات القرار المعروضة.
إذن فالسهم مستند ملكية ومن ثم فليس له تاريخ استحقاق فمسؤولية حامله محدودة بقيمة السهم ولا يحق له المطالبة بالأرباح إلاّ إذا قررت الإدارة توزيعها.
أنواع الأسهم: وتنقسم الأسهم إلى ثلاث فئات:
أ- أسهم من حيث الشكل:
أ-1 السهم الاسمي: هو الذي يحمل اسم حامله ويحتوي على البيانات التالية:
- اسم ولقب وصناعة وموطن وجنسية المساهم - نوع ورقة الأسهم التي يمتلكها - نوع الشركة وعنوانها ورأس مالها ومركزها التجاري- عملية التنازل التي تمت وتاريخ حدوثها.
أ-2 السهم لحامله: هو الذي لا يذكر فيه اسم المساهم ويعتبر حامله مالكا له بسبب حيازته المادية التي تعتبر قرينة على وجود السبب الصحيح وحسن النية في سند الملكية ويحصل التنازل عن السهم لحامله بتسليمه من يد إلى يد أخرى وبذلك يحصل تداوله بأقصى سرعة ويكفي مجرد تقديم  السهم لإعطاء حامله حق حضور مداولات الشركة في جمعياتها العمومية والاشتراك في قسمة أموالها وأرباحها ولا تلتزم الشركة بالاعتراف إلاّ بمالك واحد وهو الحائز له ولو حصل عليه هذا الأخير بطرق غير قانونية.
أ-3 السهم لأمر: للشركة أن تصدر أسهمها لأمر وتشترط فيها أن تكون كاملة الوفاء أي دفعت كل قيمتها الاسمية، إذ أنّ الشركة لا تستطيع تعقب تداول الأسهم ولا تستطيع أن تتعرف على المساهم الأخير الملزم برصيد القيمة التي لم تدفع من أصل قيمة السهم.
ب- أسهم من حيث الحصة التي تدفع:
ب-1 السهم النقدي:هو الذي يكتتب به المساهم بشرط أن يدفع قيمته نقدا ولا يصبح السهم قابلا للتداول بالطرق التجارية إلاّ بعد تأسيس الشركة بصفة نهائية وصدور المرسوم المرخص بتأسيسها.
ب-2 السهم العيني: هو الذي يمثل حصة عينية كعقار أو مصنع أو متجر أو موجودات لشركة قائمة يصادق عليه من طرف الجمعية التأسيسية فلا يجوز للشركة تسليم هذه الأسهم إلاّ أصحابها إلاّ عند تسليم الخدمات التي تقابلها وتعتبر قيمتها مدفوعة بكاملها.
ج- أسهم من حيث الحقوق التي يتمتع بها أصحابها:
ج-1 السهم العادي: هو سهم يمثل ملكية جزء من رأس مال الشركة ويتمتع حامله ببعض الحقوق منها: - الحق في نقل ملكية السهم إلى شخص آخر بالبيع أو التنازل.
- الحق في الحصول على نصيب من الأرباح التي تقرر الشركة توزيعها
- حق التصويت في الجمعية العمومية.
ج-2 السهم الممتاز: هو ورقة مالية تشبه السهم العادي ¹، ويختص السهم الممتاز دون غيره ببعض المزايا ويطلق عليه اسم سهم الأولوية أو الأفضلية، ويتخذ الامتياز الممنوح لهذا السهم إحدى الصور التالية:- منح حامله حق الأولوية في الأرباح – لحامل السهم الممتاز الأولوية على حملة الأسهم العادية عند تصفية الشركة فتستوفي قيمة الأسهم الممتازة بالأولوية.
ج-3 سهم التمتع: هو ذلك الصك الذي يتسلمه المساهم عندما يستولي على كل القيمة الاسمية لسهمه ويشترط لإعطائه هذه الأسهم أن يكون مصرحا بذلك القانون التنظيمي للشركة.
2- السندات:
تعريف السند: هو عبارة عن جزء من قرض تصدره الشركة المفترضة أو دولة أو هيئة مقترضة ويتم طرحه للاكتتاب فيه من جانب المقترض على المقرضين الذين يرغبون في إقراض هذه الشركة أو هذا المقترض، والسند هو بمثابة تعهد بسداد مبلغ معين في تاريخ معين بمعدل فائدة محددة.
مثال: سند شركة سونا طراك: 100.000.00  نسبة الفائدة 13% في سنة 2003.
فعندما تشتري هذا السند ستتحصل على ورقة تعطيك الحق في الحصول على 13000.00 كفائدة ففي التاريخ المتفق عليه سوف تحصل على مبلغ 100.000.00 إضافة إلى الفائدة إذن تعبر السندات عن علاقة مديونية ودائنية بين طرفين، فمصدر السندات طرف مدين، والمكتتب في السندات طرف دائن وأهم جوانب السندات ما يلي:
1-  يتعهد المقترض بدفع سعر فائدة معلوم مقدما ومحدد بتاريخ استحقاق معين بصرف النظر عن تحقيق الشركة أرباحا أم لا.
2-  كما يتعهد بسداد قيمة السند في تاريخ الاستحقاق.
2- أنواع السندات: يمكن تمييز عدة أنواع من السندات وهي كالتالي:
أ- السند المستحق الدفع أو الوفاء بعلاوة إصدار: لكي نشجع المدخرين على الاكتتاب تعمد الشركة إلى إصدار سندات تمنح للمكتتبين فيها بعض المزايا ترغيبا لحاملي رؤوس الأموال وحثا لهم على الادخار فتصدر سندات بمبلغ معين يسمى سعر الإصدار على أن تقرر رد هذا المبلغ في ميعاد الوفاء مضافا إليه مبلغ آخر يسمى علاوة.
ب- سند النصيب: النصيب هو مبلغ يمنح إلى حملة السندات التي تعينهم القرعة ولا يجوز إصداره إلاّ بإذن الحكومة.
ج- السند ذو الاستحقاق الثابت الصادر بسعر الإصدار: وهو السند العادي ويستعمل في القروض قصيرة الأجل ويعطي فائدة مرتفعة.
د- السند المضمون: لكي تتحصل بعض الشركات على حاجاتها من الأموال تعمد أحيانا إلى اجتذاب رؤوس الأموال بتقديم ضمانات عينية للوفاء بالقرض كأن ترهن عقاراتها أو بعضها رهنا تأمينيا.
هـ- السندات الحكومية: يقصد بالسندات الحكومية تلك التي تصدرها الحكومة بهدف الحصول على موارد إضافية لتغطية العجز في الميزانية وينظر المستثمر إلى الأوراق المالية التي تصدرها الحكومة على أنّها أكثر جاذبية نظرا لتضاؤل مخاطر التوقف عن السداد أو مخاطر تأجيله.
وظائف وعمليات البورصة
1- وظائف البورصة: تؤدي أسواق الأوراق المالية عددا من الوظائف سواء للمستثمر الفرد، أو لشركات الأعمال أو الاقتصاد الوطني:
أ)- التعامل في الأوراق المالية: إنّ أول وظيفة في سوق الأوراق المالية، هي بيع وشراء الأسهم وسندات الشركات الخاصة والحكومية كما أنّها تحقق السعر الحقيقي للأوراق شروط العلانية في عقد الصفقات وفي تسجيل الأسعار في مكان ظاهر ونشرها في النشرة اليومية بعد مراجعتها من قبل اللجنة المختصة، كل ذلك يعطي للسوق قوتها ليضمن سلامة العمليات التي تعقد بها.
ب)- استثمار رؤوس الأموال: يمتاز الاستثمار في سوق الأوراق المالية بمرونة التعامل في السوق وسهولة البيع والشراء مقارنة بصعوبة الاستثمار في شراء الأراضي الزراعية أو العقارات كما يتميز بإمكان استثمار أي مبلغ كبيرا كان أو صغيرا، ولأي مدة طالت أو قصرت كما لا يتطلب الاستثمار في الأوراق المالية أي خبرة خاصة ففي مقدور أي شخص استثمار أمواله في أسهم أي شركة زراعية كانت أم عقارية ويستفيد من نجاحها بصرف الأرباح كما يستفيد من ارتفاع أسعار الأسهم نتيجة تقدم أعمال الشركة.
أخيرا يمتاز الاستثمار في الأوراق المالية أنّه يتيح الفرصة لتنويع الاستثمار إذ يمكن توزيع رأس المال المستثمر في سندات حكومية وفي أسهم شركات صناعية أو عقارية هذه الميزة تضمن عدم ضياع كل رأس المال في حالة فشل المشروع الوحيد الذي يركز فيه المستثمر رأسماله.
ج)- تشجيع الادخار وتجميع الأموال: من المعلوم أن المدخر لا يستبدل نقوده بسلع أو خدمات لإشباع رغبة عاجلة، إنّما ليستفيد بها في سد حاجة للمستقبل وهناك وسائل متعددة لتشجيع الادخار منها: الإعفاءات الضريبية، تشجيع إنشاء مؤسسات التوفير وشركات التأمين وصناديق التوفير، أي نشر الوعي الادخاري بين أفراد الشعب وتوجيهه إلى سوق الأوراق المالية عن طريق إذاعة أسعار الأوراق المالية ونشرها، كل ذلك من أجل توجيه الأنظار إلى التعامل في شراء الأسهم والسندات وجذب مدخرات الشعب وذلك يتيح للدولة تنفيذ الكثير من المشروعات الإنتاجية التي تعود فائدتها على الجميع علاوة على الفائدة التي يتمتع بها المكتتبون.
د)- توجيه الاستثمار: عندما يقل سعر الفائدة بالبنوك عن الفائدة التي تقلها الأوراق المالية يسحب الجمهور ودائعه من البنوك وتنتقل رؤوس الأموال من البنوك إلى سوق الأوراق المالية والعكس بالعكس عند زيادة معدل الفائدة.
هـ)- خلق رؤوس أموال جديدة: يضع المستثمر أوراقه المالية لدى البنوك يمكنه الاقتراض بضمانها مبلغا لشراء أوراق جديدة وذلك نظير فائدة معينة تقل غالبا عن الفائدة التي تقلها الأوراق وعندما يشتري المستثمر أوراق جديدة وترتفع أسعارها يزيد رأسماله الحقيقي.
ﻭ)- ضمان سيولة أموال المستثمرين: البورصة هي وحدها التي تيسر للمستثمرين سبيل التخلص من الأسهم بالبيع وبذلك يستطيع أن يسترد أمواله، أمّا إذا استثمر أمواله في إحدى الشركات وكانت في حالة ضيق مالي لا يستطيع المستثمر أن يطلب من الشركة استيراد أمواله لأنّها تحولت إلى موجودات ثابتة تتمثل في الأراضي والآلات ومواد أولية.
2- عمليات البورصة: تنقسم عمليات البورصة سواء في البيع أو الشراء إلى عمليات عاجلة وعمليات آجلة.
أ- العمليات العاجلة: وتتميز بأنّها تتم فورا فيجري دفع الثمن واستلام الأوراق المالية موضوع الصفقة حالا أو خلال فترة وجيزة جدا، يجب أن تتضمن أوامر البورصة في العمليات العاجلة العناصر التي من شأنها أن تعين بكل وضوح الصفقة كبيان نوع وصفة الورقة المالية وكمية الأوراق المالية المطلوبة أو المعروضة وتحديد السعر الذي يرغب المتعامل في البورصة أن ينفذ أوامره بموجبه، ويجري تحديد نوع الورقة المالية موضوع الصفقة بكل دقة (أسهم عادية، أسهم تمتع، أسهم امتياز) أو سندات قروض.
أمّا أسعار الأوراق المالية فيحددها قانون العرض والطلب نظرا لتوفر حرية المنافسة ¹، يعمد المضاربون في البورصة إلى شراء الأوراق المالية بالسوق العاجلة ويعمدون إلى بيعها عند تحسن السوق للحصول على الربح الناتج عن بيعها مرة ثانية وبإمكانهم أيضا جمع الهدفين معا فيحصلون على الفوائد لدى بقاء هذه الأوراق بحوزتهم وعلى الأرباح لدى بيعها مجددا عند تحسن أسعارها.
إذا كان المضارب يمتلك كمية كبيرة من الأوراق المالية تخوله أن يعقد صفقاته في السوق الآجلة فهو يفضل دوما أن يبيع في السوق الآجلة بأسعار أعلى من أسعار السوق العاجلة ويجري إعادة
 إعلام العميل بالصفقات المعقودة لحسابه من قبل السمسار خلال 24سا من إغلاق البورصة فإذا لم يعترض العميل على الصفقة بعد تبليغه هذا الإشعار أعتبر الأمر مبرما وترتب عليه إبرام الصفقة.  
ب- العمليات الآجلة: تتميز العمليات الآجلة في أنّ دفع الثمن وتسليم الأوراق المالية لا يتمّان لدى عقد الصفقة بل بعد فترة تُعين مسبقا تدعى موعد التصفية وتجرى هذه التصفية عادة في كل شهر مرة، وكذلك قبل آخر جلسة من جلسات البورصة حيث تسوى الصفقات نهائيا بين المتعاملين في سوق الأوراق المالية بيعا وشراء، ويتم دفع الثمن وتسليم الأوراق المالية فعليا خلال عدة أيام من تاريخ التصفية ولما كان دفع الثمن وتسليم الأوراق المالية في العمليات الآجلة يتم بعد فترة يختلف بدءها حسب الاتفاق المعقود بين الطرفين، فإنّ أنظمة البورصة اشترطت على المتعاملين في السوق الآجلة تقديم تأمين مالي حتى إبرام الصفقة نهائيا بشكل لا يلحق الضرر بأحد المتعاقدين.
خلاصة
حاولت السلطات العمومية في كافة البورصات العالمية وما زالت تحاول تحسين وتنظيم بورصاتها وأسواقها المالية من سنة لأخرى كلما طرأ طارئ، فالتطور السريع والعميق في علم المالية الحديثة مهد لظهور علم المؤشرات المالية التي أصبحت تسير الأسواق المالية وباتت هي ذاتها منتوج مالي يتداول في البورصات الخاصة بها، ولما لهذه المؤشرات من أهمية فقد حاول الكثير من الاقتصاديين دراستها من حيث كيفية بناءها وطريقة حسابها ومدى استعمالها في التنبؤ وقدرتها على ذلك.
كما أنّ المؤشرات لها استخدامات عديدة تهم المستثمرين الأفراد وغيرهم من الأطراف التي تتعامل في أسواق رأس مال، وتأتي في مقدمة تلك الاستخدامات قياس مستوى الأسعار في السوق، إعطاء فكرة سريعة من العائد المتولد عن محفظة الأوراق المالية للمستثمر، والحكم على مستوى أداء المديرين المحترفين القائمين على إدارة محفظة الأوراق المالية للمؤسسات المتخصصة في الاستثمار، كما يمكن أن تستخدم أيضا لوضع تصور على حالة سوق رأس المال في المستقبل.

تبقى المؤشرات لحد الآن هي الأداء الأكثر تعبيرا عن حالة السوق ورغم كل ما يوجّه لها من انتقادات ويحاول المختصون في هذا المجال الحد بأكبر ممكن من نقائصها في تصوير السوق ووضعية الاقتصاد على الأمد القصير والأمد الطويل وتتوقف كفاءتها على كفاءة المعلومات التي بنيت على أساسها.
Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...