تابعونى على مواقع التواصل الأجتماعي

الثلاثاء، 15 مارس 2016

ما موقف العلم والدين؟! حول زراعة الرأس الحي في جسد الميٌت وأستمرار الحياة


فى مدينة نيويورك، بالولايات المتحدة الأمريكية حيث نشرت قناة (CNN)، أن حي بروكلين بمدينة نيويورك الأمريكية قبل أسابيع شهد رحيل الطبيب والعالم روبرت وايت، الذي عُرف حول العالم بتنفيذ العمليات الأكثر جرأة في التاريخ، وبينها عملية نقل رأس أحد القرود إلى جسم قرد آخر، ما دفعه للقول بأن ذلك أثبت مسؤولية الدماغ عن وعي المخلوقات، وإن كان قد أدى إلى ثورة معارضة من جانب جمعيات الرفق بالحيوان.
وأجرى وايت أول عملية عندما كان يبلغ من العمر 15 عاماً، إذ قام بتشريح دماغ ضفدع خلال حصة العلوم في المدرسة التي كان يرتادها، ما فتح الباب أمامه للأهتمام بهذا الجانب، لينفذ خلال العقود الخمسة التالية آلاف العمليات المماثلة المتعلقة بالأعصاب والدماغ.
وقال وايت، في واحدة من آخر مقابلاته، وقد أجراها مع موقع CNN، إن تجربة نقل رأس القرد الذي أجراه في العقد السابع من القرن الماضي، كانت ناجحة بشكل كامل، حتى أن القرد استيقظ في وقت لاحق وقام بعضُ يد الطبيب.

وأضاف أنه قام خلال فترة حياته بكتابة عشرات آلالاف من المقالات، والعمل كمستشار في شأن أخلاقيات الطب لدى أربعة ممن تولى منصب البابا في الفاتيكان، إلى جانب تطويره تقنيات تبريد النخاع الشوكي لتجنب تعرضه لضرر دائم عند الحوادث، وهي تقنيات دفع بعض علماء الأعصاب للدعوة إلى منحه لجائزة نوبل.
ويعتبر وايت أن الاكتشاف الأساسي له هو تأكيد مسؤولية الدماغ عن وعي المخلوقات، وذلك من خلال عملية نقل الرأس التي نفذها، والتي يفضل شخصياً أن يسميها عملية "زرع جسم."
ويرى وايت أن العملية كانت ناجحة، رغم أن القرد لم يعش لأكثر من يومين، ورغم أن اختبارات أخرى تمكنت من تمديد عمر القردة التي تخضع لهذه العملية، إلا أن المشكلة التي ظلت قائمة هي الشلل الذي يصيب أطراف الجسم المتلقي للرأس.
وبالبحث أيضاً تبيٌن انها ليست العملية الأولى التي تمت، حيث تبين أنه في عام 1908 قام الطبيب"Charles C. Guthrie"(وهو المختص بعلم الفيزيولوجيا والأدوية) حيث قام بزراعة رأس كلب من النوع المختلط الصغير على رقبة كلب آخر من النوع الكبير مع بقاء رأس الكلب الكبير متصلاً بجذعه.
في الخمسينات أيضاً ، قام Vladimir P. Demikhov ( عالم روسي ) بزرع الجزء العلوي من جسم كلب من النوع الصغير المختلط ( متضمناً الأطراف العلوية ) إلى رقبة كلب من نوع آخر وبحجم أكبر من خلال وصل الأوعية الرقبية بين الكلبين . وعلى الأقل كان أحد هذه الكلاب والتي سميت ( كلاب ذات الرأسين ) عاش لمدة 29 يوماً ، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه.
فما هو ما موقف العلم والدين، وماهو الرد الشرعي لمن يقول أن نجاح هذه العملية يؤكد أن مكان العقل هو الدماغ؛ والقلب ليس أكثر من مضخه، ولمن يقول أيضاً أن نجاح مثل هذه العمليات يخالف تصورات النصوص الدينية فيما يخص الروح والعقل وغيرها؟!!!.
فى البداية .. من الناحية الطبية
حيث أن  نقل الأعضاء أياً كان يحتاج الى شروط، وتقنيات خاصة، مثل التوافق بين المعطى والمستقبل؛ حيث كلما كانت درجة القرابة أكبر كلما كان النقل أكثر قبولاً، وتثبيط جهاز المناعة ، فالجسم يتعرف على العضو المزروع كجسم غريب ، وبدون مثبطات المناعة يقوم الجسم برفض العضو المزروع.
ويحتاج أيضاً الى جراحة سريعة، فكلما كانت أبطئ كلما كان الرفض أكبر، ويحتاج الى متخصصين فى الجراحة بشكل كبير، وأيضاً متخصصين فى الأمراض الباطنية والمناعة، وخلاصة لذلك فهذه العمليات تحتاج الى فريق عمل متكامل.
وعمليات زرع الأعضاء مقيدة ببعض الأعضاء وليس جميعها، فالقلب والكلى والكبد كأشهر الأعضاء التى تنقل من الأجهزة الرئيسية للجسم التى تستبدل بمثيلاتها الآن بنجاح كبير؛ لكن نقل الدماغ بفرض إمكانيته تواجهه صعوبات كبيرة، فمثلاً يمكنك إيصال الدم للدماغ؛ لكن لا يمكنك إيصال الأعصاب بمثيلاتها.
وهذا ما يوضحه الكلام الذى حدث فى العملية التى قام بها الطبيب، حيث أورد هذا الطبيب، أن القرد أستيقظ في وقت لاحق وقام بعضُ يد الطبيب، أذاً فالأعصاب المسئولة عن تحريك عضلات الفكين هى أعصاب دماغية؛ لذلك فهذه الأعصاب تعمل؛ لكن الأعصاب الطرفية، والحبل الشوكى لن يعمل بالتأكيد، والدورة الدموية فى الدماغ معقدة للغاية، والنقل يمكن أن يسبب دماراً كبيراً للأعضاء.
لكن المشكلة التى يحاول البعض توهمها هى الأتية، وهم أستنتجوا أن أذا ثبت صحة هذا الكلام، وأنه أمكننا نقل رأس حيوان أو إنسان الى جسم آخر، وعمل الدماغين معاً، فهذا يثبت أن العقل ليس محله القلب وإنما الدماغ؛ ولذلك هم يعتقدون أن هذا يعارض ما جاء فى القرآن الكريم.
ولكن ليس لهذا الكلام دلالة لعدة أسباب نذكرها:-
أولها: أن العقل هو من ملكات الإنسان التى ينفرد بها، وليس كياناً مادياً، ولا يمكن تفسيره على أساس البيولوجيا والفيزياء، فلا وجه للمقارنة مع الحيوان.
ثانيها: أن الوعى إن كان المقصود منه هو السمع والبصر والسماع والحركة، فهذه ليست من خواص العقل، وإنما هى الحواس وهى من أدوات العقل وليست ذاته، ولكى تثبت أنها موجودة بعد زرع الدماغ (( إن ثبت هذا الزرع )) فلا بد من ملاحظة دقيقة للإستجابة للمؤثرات الخارجية، مثل الإلتفات لوجود صوت ما، أو توجيه النظر الى صورة ومعرفتها أو القدرة على شم الروائح ، وكل هذه يصعب قياسها فى الحيوان.
ثالثاً: إذا كان المقصود من العملية إثبات أن السمع والبصر والعض والشم من عمليات الدماغ ، فلا جديد فالجميع يعرف هذا.
رابعاً: الإدراك الحسى هو وظيفة الدماغ، فإذا نقلت الدماغ، وقلت إن الدماغ المنقول يمكن لفمه العض، فأنت كمن يقول، الكلى المنقولة يمكنها تنقية الدم، والقلب يمكنه ضخ الدم أيضاً.
خامساً: وأن أغلب العمليات التى تمت كما هو واضح، أنها عبارة عن توصيل الإمداد الدموى لرأس مجاورة للرأس الأصلية، وليس إستبدالاً لها، يعنى الرأس المتطفلة، لا تقوم بوظائف الجسم، ولا بإستجاباته، ولا وعيه وإدراكه وحكمه على الأشياء، ولاندرى واقعياً هل هى تحمل مشاعر وذكريات وأحاسيس الكائن الأصلى أم لا، وكذلك تعقله أيضاً، وهذا يحتاج لإثبات.
سادساً: من الراجح و الظاهر أن إرتباط العقل بالقلب هو إرتباط معنوى وليس إرتباطاً مادياً، كما ترتبط الروح بالجسد، وحينما تفصل الكلى من الجسم، فأنت تقطع الروح عنها، وحينما تزرع كلى جديدة فإن الحياة تدب فيها، أذاً فالعلاقة بين القلب والعقل ليست علاقة مادية.
سابعاً: هناك حالة فى الطب تسمى (conjugated twins) هذه حالة طبية شهيرة حيث يولد الطفل برأسين أو ما يسمى double headed monsters، وقد ثبت أن بعضها بقى على قيد الحياة، وبقلب واحد فقط.
وبالتالى أيضاً هذا الفيديو يشرح نفس الحالة التى تم ذكرها، وهذا يثبت أن المسألة ليست جديدة و تحتاج الى عملية جراحية حتى نكتشف هذا الأمر.
ثامناً:علم فسيولوجيا الأعصاب الأن تمكن من رسم خريطة كاملة للمخ، ومواقع العمليات الحيوية كلها معروفة من حركة وحس وتذوق وشم وسمع وبصر، ويمكن الأن التحكم فى حركة الإعضاء عن طريق تسليط موجات على مناطق معينة فى المخ، ولا يوجد مجهول فى هذا السياق؛ لكن لا يوجد مراكز تفسير التفكير المجرد، أو الإرادة أو القدرة على الإختيار، ولا توجد ميكانيزم نستطيع بها تفسير كيف تقوم المعرفة بالمادة، وهذا هو السؤال ؟!. وللعلم ... لن يكون هناك تفسير فسيولوجى قائم على قواعد الفيزياء والبيولوجيا لهذا الأمر، و يبدو من المؤكد أن تفسير العقل على أساس النشاط العصبى داخل الدماغ سيظل أمراً مستحيلاً كل الإستحالة، ومن الأقرب للمنطق إن نقول أن العقل ربما كان جوهراً متميزاً ومختلفاً عن الجسم، حيث ذكر بنفلد وهو الجراح المشهور و الأول فى كندا، وصاحب العمليات الرائدة فى جراحة الصرع، والتدخل الجراحى فى المخ فى حالة الوعى، وصاحب كتاب "The Mystery of the Mind, A Critical Study of Consciousness and the Human Brain"، حيث ذكر بنفيلد (( إن توقع قيام آلية الدماغ العليا، أو أى مجموعة من ردود الفعل مهما بلغت من التعقيد بما يقوم به العقل وبأداء جميع وظائفة أمر محال تماماً )).
تاسعاً: ماهية العقل تختلف عن ماهية الإدراك؛ فالعقل هو خاصية أو ملكة أو عملية يتميز بها الإنسان تمكنه من التفكير المجرد المنفصل عن التصرف الغريزى، وينتج عنه تصديق وإصدار أحكام وتكوين أفكار عن الواقع، وليس العقل بعضو مستقل فى الإنسان بل هو مركب، ومكوناته هى الدماغ البشرى بقدراته المتفوقة، والمختلفة تماماً فى ناحية التفكير عن الحيوان، والواقع المحسوس بالحواس الخمس، والعلوم المكتسبة فى شتي مجالات الحياة وهى مما يتفاوت فيه البشر تفاوتاُ كبيراً.
خلاصة
فالرد الشرعي لمن يقول أن نجاح هذه العملية يؤكد أن مكان العقل هو الدماغ، والقلب ليس أكثر من مضخه، ولمن يقول أن نجاح مثل هذه العمليات يخالف تصورات النصوص الدينية فيما يخص الروح، والعقل وغيرها، لذا نجد أن القلب سمي قلباً لتقلبه في الأمور، أو لأنه خالص ما في البدن ، وخالص كل شيء قلبه، أو لأنه وضع في الجسد مقلوباً. وهو أمير البدن وبصلاحه يصلح البدن وبفساده يفسد البدن كذلك . قال الله تعالى: " أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور". [الحج:46] وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب". فبالقلب يفقه العبد وبه يتوجه، فإذا صلح بنور الهداية أفلح صاحبه ونجح وإذا أظلم بالضلال خاب وخسر.
لذلك نجد أن الرأس التى ينقل اليها الجسد لم تتغير، والذي تغير إنما هو القلب، وما تغير الشخص نفسه إنما تغير جزء منه وإن كان جزءاً مهما. ولكن بقي ذات الشخص ومسماه الذي تعلقت به التكاليف. ومعلوم أن إظلام قلب الكافر أو المنافق إنما يكون بالمواد التي تمده وتؤثر فيه فهو مثل ماكينة السيارة التي سبب عطبها ما يدخلها من مواد فاسدة فإذا تغيرت تلك المواد الفاسدة المسببة لعطب تلك الماكينة بمواد تصلح بها فإنها تصلح . فهذه الماكينة كان يمدها صاحبها ببعض المواد الفاسدة ففسدت السيارة كلها. فإذا نقلت تلك الماكينة لسيارة أخرى وأعتنى بها صاحبها عناية تامة ووضع فيها ما يصلح لها ويكون سبباً في سيرها على التمام سارت السيارة كلها كذلك. وهذا لايعني أن القلب لادخل له ولا أثر، ولكن أثره نسبي ، فقد يقع أن القلب المنقول إلى شخص ما ينقل إلى هذا الشخص بعض الصفات التي كانت عند الشخص المنقول منه. وقد ذكر د/ على الخطيب رئيس تحرير مجلة الأزهر السابق أن طبيباً للقلب مشهوراً قد أعتزل مهنة جراحة القلب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين قد نقلت لهم قلوب من أشخاص آخرين وجدهم قد تغيرت بعض تصرفاتهم وطرأت عليهم أشياء لم يكونوا يفعلونها قبل إجراء العملية مما حدا به إلى إعتزال المهنة. ومما ينبغي أن يعلم أن علاقة القلب بالبدن لها جانبان: جانب عضوي، وهذا معروف ويمكن تفسيره طبياً لأنه أمر مادي. والجانب الآخر معنوي وهذا أمر غيب لا يمكن تكييفه على وجه الدقة، لكنا نعلم - بدلالات النصوص الشرعية ـ أن السعادة والشقاوة مقدرة على هذا الشخص - صاحب البدن ـ أو ذاك -، وهي مرتبطة بكسبه وعمله، والقلب ما هو إلا مستودع ومركز إنطلاق وتوجيه، يتكيف بما يحيط به ويقدر على صاحبه، وعلى هذا فما قدر لشخص ما فإنه مرتبط بعموم بدنه وليس بخاصة قلبه. والقلب الجديد يقوم بوظائفه المعنوية ضمن علاقة غيبية وتقدير إلهي محكم. وهو يصلح في صاحبه الجديد حسب المادة التي تمده. كما أنه والحالة هذه قلب معار سوف يعود ـ حسب ظواهر الأدلة ـ إلى صاحبه فيعذب أو ينعم معه في الآخرة ، فلا الكافر يمكن أن يسلم بمجرد نقل قلب مسلم إليه ولا العكس.
وأيضاً هذه التجارب العلمية لا تشير الى أي تناقض مع الدين؛ لان كل مايعمله الأنسان هو بتقدير الله وعلمه الأزليين. فلو نجح الأنسان في يوم ما الى إستنساخ بشر مثلاً فإن ذلك كان في كتاب الله مسطوراً. فالله خلق الأنسان والهمه الفكرة وأمده بكل الوسائل الضرورية لتحقيقها في الواقع في الوقت الذي أختاره. فالأنسان ينفذ فقط، أما الفاعل والخالق فهو الله سبحانه وتعالى. فالذي خلق وسائل الركوب التي نستعملها في عصرنا من سيارات وباخرات وطائرات هو الله (والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لاتعلمون) والدجال الذي يأتي في أخر الزمان له قدرة على أحياء الميت. فهل يتناقض هذا مع الدين ؟ أو يشككنا فيه ؟طبعا لا ؛ لأن هذه القدرة الخارقة هي من الله كباقي القدرات الأخرى التي وهبها الله لمخلوقاته. وخلاصة لما سبق قوله إن كل ما يخترعه الأنسان هو داخل في ما قدره الله.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...